المشاعر الإنسانية بطبيعتها المعقدة يمكن أن تنشأ بعدة طرق منها التلقائي ومنها المكتسب، وخاصة الحب فأحياناً نقابل أحداً ونشعر تجاهه بالحب دون أي مجهود منه وهنا يلعب الانجذاب الشكلي دوراً كبيراً أو عندما نجد في ذلك الإنسان المواصفات التي نحلم بها.
الاحتمال الآخر وهو أن تميل النفس لمن يحسن إليها أي استجابة مشاعرنا لشخص يسعى للتقرب والتودد لنا بطيب المعاملة وحسن المعشر، فنشعر بالارتياح ونميل له خاصة مع تكرار الأفعال والسلوكيات الودودة التي تلامس احتياجاتنا ومشاعرنا.
ساهم الإعلام والدراما بشكل عام في رسم صورة نمطية عن الحياة العاطفية السعيدة بين الرجل والمرأة وحصرها بسيناريو عاشقين يعيشان قصة حب تتكلل بالزواج السعيد، مما جعل الكثيرين يعتقدون أنهم لن يعيشوا حياة عاطفية سعيدة إلا بهذه الطريقة أما الزواج التقليدي مصيره الفشل أو التعاسة.
لا شك أن وجود الحب منذ البداية يسهل الأمور كثيراً لبنا حياة زوجية سعيدة، ولكن للأسف لن يحظى الجميع بهذه التجربة. وعلى أرض الواقع ما زال الزواج التقليدي حاضراً وبقوة خاصة في المجتمعات المتشددة، ومع ذلك هناك الكثير من القصص الناجحة والأسر السعيدة، فطالما التقبل الشكلي والارتياح موجود، يمكن للمودة والرحمة أن تخلق الحب والسعادة بين الزوجين.
الحب أم المودة والرحمة
هما مكملان لبعضهما ولكن تبقى المودة والرحمة أهم، إذ لا يمكن لأي حب مهما كان قوياً أن يستمر دون التعامل الطيب اللين، في حين أن المودة والرحمة قادرة في كثير من الأحيان على خلق الحب مع تكرار الأفعال والسلوكيات الإيجابية والمحببة للطرف الآخر.
الحب في بداياته هو في الأغلب اندفاع عاطفي ومزيج من الرغبة والإعجاب سرعان ما يتلاشى إذا لم يكن مترافقاً مع تفاهم وحسن المعاملة بين الشريكين، بينما الحب الحقيقي هو مزيج من المشاعر مع الرحمة والمودة والسكن.
الرحمة والمودة صفتان متلازمتان، فعندما تود شريكك ستكون رحيماً به وستغض الطرف عن مساوئه وعيوبه، عين الرحمة ستدفعك للتصرف برقة وتعاطف، بالإضافة إلى التروي والتفكير بحكمة قبل اتخاذ أي قرار، وهذا يزيد من قدرتكما على تحمل الصعوبات ومواجهة المشاكل ومهما مرت العلاقة بتقلبات ستؤول الأمور في الآخر إلى السكينة والاستقرار.
كيف نعيش المودة
المودة هي الطريقة التي نؤدي بها الفعل إذ يمكن لأي موقف بسيط تتعامل فيه بود أن يؤلف بين القلوب، والحياة الزوجية بمسؤولياتها وواجباتها الكثيرة تتيح لك الكثير من الفرص لإظهار المودة. الصورة هنا بعيدة نوعاً ما عن الغرام والرومنسية، يمكن القول أن المودة هي الاستثمار الناجح الذي سينقل العلاقة إلى حالة الحب بشرط وجود التقبل والتفاهم في البداية.
العدل أم الرحمة
العدل قيمة رائعة ولكنه يستند إلى مبدأ مجرد عملي ينص على أخذ ما لك وبذل ما عليك، وبالعدل العقوبة مشروعة ومحقة عند أي خطأ. أما الرحمة فهي المرحلة الأسمى والأكثر روحانية. تَذكَّر نفسك عندما تخطئ هل تطلب من الله العدل أم الرحمة؟
مهما بلغ الانسجام والتوافق بين الشريكين ستبقى هناك اختلافات في وجهات النظر أو تصرفات مزعجة، وعندما تتعامل بقيمة الرحمة سيكون تركيزك موجهاً إلى حسنات شريكك وإيجابياته، فتجد نفسك تغفر زلاته بسهولة وتتغافل عن سلبياته، أي أنها أعلى مرتبة من العدل وأكثر سمواً وإنسانية وبدونها ستتلاشى ستموت المودة عند أقل خلاف.
التعامل بمودة ورحمة ليس سهلاً طوال الوقت وإنما يحتاج لإرادة وجهد فقد تحدث مواقف كثيرة تسبب نوعاً من الجفاء والنفور، ولكن الشريكان يقرران وضع حد لهذه المشاعر السلبية والتعامل بالتي هي أحسن.
علاقة المودة والرحمة بالسكن
السكن بمفهومه العميق يعني أن وجود الشريكين معاً مدعاة للإحساس باطمئنان النفس واستقرارها وسط ضغوط الحياة وهمومها، وهو حاجة إنسانية ملحة يلبيها الشريكان لبعضهما عندما يلتزم كل منهما حسب دوره بأداء واجباته المادية والمعنوية بمودة ورحمة ورغبة حقيقية في إسعاد الطرف الآخر.
في الختام
نجد أن المودة والرحمة والسكن هي القيم التي تشكل أساساً قوياً لعلاقة زوجية ناجحة، فالمودة تؤلف بين القلوب والرحمة تساعد على تقبل الأخطاء وتجاوز تحديات التي تمر بها العلاقة بسلام، أما السكن فهو الاستقرار النفسي والعاطفي الذي يحتاجه الشريكان من العلاقة.
Leave A Comment